iManouna

ماذا أفعل عندما تظهر العذراء؟ قراءة في تعليم الكنيسة حول الإيحاءات الخاصّة

قد نسمع، خلال الأحاديث حول مواضيع روحيّة، آراء متضاربة حول الظهورات والخوارق والرسائل والإيحاءات. وتكثر الإتّهامات بالكفر للرافضين وبالتخلّف للمتمسّكين، وبالتفاهة للمحايدين. وللكنيسة موقف واضح في هذا المجال، تعبّر عنه في العدد 67 من تعليمها الرسميّ. نحاول مناقشته فيما يلي.

منذ ألفَي سنة، صار ابن الله إنسانًا. هو غير المحدود دخل محدوديّة طبعنا ليعيش معنا وبيننا، وليمنحنا الخلاص. دخل بيوتنا وسار على دروبنا. سلّم على الناس، أبناء جنسنا، بِلَمسِ أيديهم، وتركَ لهم بشرى الحياة التي سمعوها منه سماع الأذن. كم تمجّدَت إنسانيّتنا بالإله الذي اعتنقها!

وقبل صعوده إلى السماء، اختار له رسلاً من بني البشر، استودعهم تعليمه الحيّ وديعةً مقدّسة. والرسل بدورهم نقلوا الوديعة إلى خلفائهم من بعدهم، الذين ما زالوا يتوارثونها في الكنيسة جيلاً بعد جيل حتّى يوم مجيئه الثاني في نهاية الأزمان.

نحن اليوم إذًا، ضمن هذا الإطار: استلمنا وديعة التعليم الحقيقيّ ممّن سبقونا على دروب الإيمان، وهم بدورهم استلموها ممّن سبقهم، خَلَف عن سلف، وصولاً في بداية السلسلة إلى الرسل فإلى الربّ يسوع الذي هو ينبوع الوحي الإلهيّ وكلمة الله الحيّ. نقول كلّ هذا لنقول أنّ الله يحبّ كنيسته، ويحبّ أن يخاطبها ويكشف لها وجهه المطَمئِن والعذب. وقد قال لها كلّ شيء بابنه الوحيد يسوع الذي لا زالت الكنيسة، منذ ألفَي سنة، تغوص في سرّه ولا تكفّ عن فهمه أكثر فأكثر يومًا بعد يوم.

وفي مسيرة سماعها لكلمة يسوع، لا زال الله الحيُّ وواهبُ الحياة يدعمُها ويشجّعها على فهم هذه الوديعة وعيشِها بثبات أكبر، عبر حالات وحيٍ دُعيَت “إيحاءات خاصّة” شهدتها أجيال المسيحيّة، ولا زالت تشهدها، واعترفت السلطة ببعض منها، كظهورات العذراء والقدّيسين، والرسائل والإيحاءات التي يتلقّاها مؤمنون أتقياء من السماء.

إنّ الإيمان المسيحي لا يستطيع أن يتقبّل “وحياً” يدّعي أنّه يفوق أو يصحّح الوحي الذي كان المسيحُ نهايتَه. لذلك لا تُعدُّ هذه الإيحاءات من وديعة الإيمان. وليس من شأنها أن “تُحسِّنَ” أو “تُكمِّل” وحيَ المسيح النهائيّ، بل أن تساعدنا على الحياة فيه بطريقة أوفى في مرحلةٍ من مراحل التاريخ.
فالعذراء، في تاريخ ظهوراتها، لم تعطِ ولا مرّة إنجيلاً جديدًا، ولا زادت على الإنجيل ولا انتقصت منه، ولا عدّلت فيه. جلّ ما تقوم به السيّدة في ظهورها، هو تشجيع المؤمنين على المضيّ قدمًا في حبّهم للمسيح وفي عيش إنجيله.

إنّ الكنيسة تشكر الله الذي لا يزال يتدخّل ليخاطب أبناء جيلنا وسط آلامهم وصعاب حياتهم عبر رسائل وإيحاءات تشجّعهم. ولكنّها تحثّ المؤمنين على التمييز بين ما هو “وحيٌ عامّ”، أي أنّه ملزِمٌ للإيمان ومغذٍّ للحياة الروحيّة وضروريّ للثبات في خلاص يسوع، كالإنجيل والتعليم وأسرار الكنيسة… التي تصلح لكلّ جيل وتخرّج من مدرستها قدّيسين؛ وبين ما هو “خاصّ” أي أنّ اعتناقي له قد يدعم إيماني ويشجّعني على الثبات فيه أكثر فأكثر، ولكن ليس بإمكاني أن أكتفي به لأكمل مسيرة قداستي.

وتبقى النصيحة الأخيرة آية أشعيا النبيّ، التي عاد الربّ واستشهد بها في إنجيله: “قصبة مرضوضة لن أكسر”. والقصبة المرضوضة التي لا تنفع المزارع شيئًا في زراعته، أجدى به أن يكسرها ويلقيها في النار. هذا في فكر البشر. ولكنّ ربّنا لا يعمل بهذه الطريقة، بل إنّه قادر أن يرمّم كلّ كسر ويعيد بناء المكسور ويخرج منه صلابة. إذا كان شعبنا يحبّ التهافت وراء إيحاءات قد تكون في بعض الأوقات تشبه قصبة مرضوضة، مشرفة على الإنكسار، أي أنّها فارغة من كلّ حقيقة، مبنيّة على هشاشة عاطفيّة وإنسانيّة؛ لا داعي لكسرها، ولا داعي لجرح أتباعها أو تشكيكهم. بل الأحرى بنا أن ننطلق معهم من واقعهم، مهما يكن، والسير بهم من حيث هم -وما هم عليه، على نقصه، ليس بشرّير- نحو اختبار ناضج عميق للحبّ الإلهيّ المبنيّ على صخرة الإنجيل، والمدعّم بمداميك التعليم الصحيح. وحين نقدّم لشعبنا الخمرة العتيقة الطيّبة، لن يعود يبحث في قعور الأواني عن خمور فاسدة.

الاب ايلي خويري – ايماننا

Related posts

دم المسيح المُطَهّر يتطلب توبة حقيقية

imanouna imanouna

المسيح قام في اليوم الثالث… لماذا نعيّد سبت النور؟

imanouna imanouna

شفيعنا القديم الجديد

imanouna imanouna