iManouna

حضور حقيقيّ للربِّ يسوع

الخوري أنطوان الدويهيّ – ايماننا

ليس بعيدًا عن مدينة أورشليم – القدس تقع قرية صغيرة تُدعى بيت لحم، فيها ولد داود النبيّ، ثاني ملوك إسرائيل. ولد في أسرة فقيرة تعيش من الفلاحة والزراعة وكان راعيًا لقطيع أبيه منذ صغره. اختاره الله بعدما رفض شاول أوَّلَ ملوك إسرائيل الذي مال عن سماع كلام الربّ. اختاره الله وأحبَّه حبًّا خاصًّا ومعنى اسمه “محبوب”، وجعله راعيًا لشعبه بعدما كان راعيًا للغنم.

عندما أصبح داود ملكًا على شعب إسرائيل اتَّخذ له أورشليم مقرًّا وجعلها عاصمة لمملكته. أدخل إليها تابوت العهد الذي يرمز لحضور الله وسط شعبه. مات داود في أورشليم ودفن فيها، بعدما بنى برجًا عند مدخلها وأقام فيه. تألَّم داود كثيرًا في نهاية حياته بسبب أولاده الذين تنازعوا الملك فيما بينهم، وراح الأخ يقتل أخاه إلى أن عيَّن داود ابنه سليمان ملكًا يخلفه في المُلك. اعتُبر سليمان ملكًا حكيمًا حتَّى بلغت حكمته “ملكة سبأ فأتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان”.

واتَّخذ يسوع من مريم مسكنًا أقام فيه فدُعيت مريم عن جدارة برج داود، الذي يُشرف على مدينة أورشليم كلِّها. وبفضل يسوع، أصبحت مريم مشرفة على أبناء أورشليم كلِّها كما الأمُّ تشرف على أولادها العديدين.

وبما أنَّ يوسف هو من سلالة داود الملك، وبما أنَّ أوغسطس قيصر أصدر أمرًا بأن يكتتب كلُّ واحد في مدينته رغبة في معرفة عدد الرجال في مملكته في حال وقوع حرب في قسم منها، يكون مهيَّأ للدفاع عنه بالتعبئة التي يقوم بها، اضطُرَّ يوسف أن يصعد مع امرأته مريم الحامل من الناصرة إلى بيت لحم مدينة داود لأنَّه من بيت داود وعشيرته.

وفي أثناء وجودهما في بيت لحم تمَّت أيَّامها لتلد فولدت ابنها ودعت اسمه يسوع.

وُلد يسوع في المدينة التي وُلد فيها داود الملك، ذاك الذي قال الله له: “من صُلبك يخرج من يرعى شعبي إسرائيل”. وبما أنَّ يوسف هو من صلب داود، وهو الذي سجَّل يسوع على اسمه في بيت لحم كابن له، أضحى يسوع من سلالة داود وعشيرته.

ولد يسوع فقيرًا في مذود حقير وعاش فقيرًا “لم يكن له موضع يسند إليه رأسه”. عمل نجَّارًا مع أبيه يوسف النجّار.

يسوع هو الملك الذي يرعى شعب إسرائيل، على مثال داود الذي حسُن في عيني الربّ، فرنَّم قائلاً: “قال لي: أنت ابني أنا اليوم ولدتُك، سلني فأعطيك الأمم ميراثًا لك وأقاصي الأرض ملكًا لك، ترعاهم بعصًا من حديد وكإناء خزّاف تحطِّمهم” (مزمور 2).

ويسوع هو الذي على مثال داود عانى الآلام بسبب انقسام بني شعبه عليه، بين مؤيِّد له ورافضٍ إيَّاه، فمات في أورشليم ليجمع في شخصه العالم كلَّه.
بين داود ويسوع قصَّة حبٍّ مميَّزة، إذ أضحى يسوع، بحسب إنجيل لوقا، داود العهد الجديد، لأنَّ الله أحبَّه ودعاه مرَّات عديدة: “هذا هو ابني الحبيب، الذي عنه سُررت”، ودعانا أن نسمع له: “فله اسمعوا”، كما دعا داود وجعله مختاره وابنه الحبيب: “هوذا ابني الذي اخترته، حبيبي الذي تاقت إليه نفسي”.
ميلاد يسوع على أرضنا هو ميلاد الحبّ، لأنَّ الله محبَّة ويسوع هو المحبَّة.

وها هو عيد الميلاد يطلُّ علينا هذه السنة، ببساطة متناهية، لا زخرفة ولا بهرجة، لا احتفالات دنيويَّة ولا تجمُّعات تطغى عليها الغطرسة والكبرياء.
منذ سنوات طويلة أصبحنا نحتفل بالعيد دون المحتفى به، نعيِّد بعضنا وننسى صاحب العيد، نهتمُّ بالزينة اللمّاعة، والملابس الفاخرة، والأطعمة الدسمة، والاحتفالات الباهرة، والهدايا الثمينة والجواهر البرّاقة وننسى الجوهر.

ميلاد ربِّنا هذه السنة يحمل عنوانًا واحدًا: حضور حقيقيٌّ للربّ يسوع وسط عالمنا الموبوء، حاملاً معه المحبَّة والصحَّة والفرح والسلام.

الخوري أنطوان الدويهيّ – ايماننا

Related posts

النذر الرهباني

imanouna imanouna

لماذا لم يكتب المسيح الإنجيل؟؟ إليكم الجواب

imanouna imanouna

دم أخيك يصرخ إليّ …. بقلم الخوري أنطوان القزي

imanouna imanouna