iManouna

تلقَّيت اللقاح – الخوري أنطوان الدويهي

سنة مرَّت والعالم خائف من جائحة أصابته فدمَّرت فيه أمورًا كان يعتبرها أسسًا لبناء مجتمع سليم. بعد أكثر من مئة سنة، توقَّفت الطائرات في مطارات العالم – ولو لأيَّام معدودة – عن التحليق فوق سماء أرضنا. مدن كثيرة شُلَّت الحركة فيها بشكل قاطع، فلا ترى سوى بعض سيَّارات الشرطة أو سيَّارات الإسعاف تنقل مريضًا إلى مستشفى.

شُلَّت الحركة فترة طويلة وتحوَّلت البيوت إلى كنائس ومساجد وجوامع ودور صلاة، فتحلَّقت العائلة بعضها حول بعض لتتشارك في الصلاة لأجل الخلاص من هذه الجائحة المدمِّرة.

وفي أوقات التنقُّل والاختلاط بالآخرين، فُرض على الناس لبس الكمّامة لتقليل خطر الإصابة بالوباء القاتل قدر المستطاع، وفي بعض الأحيان فرض لبس القفّازات للوقاية من العدوى. كما فُرض التباعد الاجتماعيّ فلا مصافحة ولا تقبيل ولا اقتراب الواحد من الآخر…

وبين حين وآخر تسمع بأشخاص أقرباء أو جيران أو معارف أصيبوا به، البعض ينجوا والبعض يتألَّم ويعاني، وبآخرين ماتوا لإصابتهم به، وبآخرين يعانون من فقْد عزيز بسببه…

وبالرغم من الحذر الشديد، والإعلام العالميّ الموجَّه حول هذا الوباء القاتل، لا زال هناك أشخاص ينكرون وجوده ويتنكَّرون له ويستنكرون اهتمام العالم به.

كثرت الإشاعات وتفاقمت الأكاذيب، آخرها وليس الأخير، أنَّ أميركا أوقفت الرجل “الشهير” الذي اخترع الوباء وباعه للصين بسعر خياليّ…

وأخيرًا، أتى زمن اللقاح. وكثرت الأقاويل وتعدَّدت النظريَّات واختلفت الآراء بين الموافقة على التطعيم أو الرفض القاطع. وللإعلام دور كبير في ذلك. ولطالما كان له الدور الأكبر في تسيير العالم كلِّه، وقلْب كفَّة الميزان!

علماء اجتهدوا وقاموا باختبارات كثيرة قبل أن توافق وكالة الصحَّة العالميَّة على طرح اللقاح المنقذ للبشريَّة. فتعدَّدت المصادر وتنوَّعت المختبرات من أميركيَّة إلى ألمانيَّة وإيطاليَّة وصينيَّة وسواها، وكلُّها تعود بالخير على قابلي اللقاح، وعلى المقتنعين بجدوى الحصول عليه.

ويبقى اللقاح هو الحلَّ الوحيد، فلا الحجْر الصارم منع الوباء من الانتشار، ولا الوقاية أوقفت انتقال الوباء من شخص إلى آخر، ولا الأدوية المخفِّفة استطاعت أن تحجب الموت عن أشخاص كثيرين… فللقاح دور إنسانيٌّ واجتماعيّ واقتصاديّ وحياتيّ وصحّيّ، إذ يُعيد دوران الحياة اليوميَّة إلى طبيعته، فلا يمكن تهامل أو تخطِّيه، أو حتَّى الاستغناء عنه. وبقدر ما يُسرع البشر في تلقّي اللقاح بقدر ما يسيطَر على الوباء ويُقضى عليه.

والتاريخ يشهد أنَّ بعد كلِّ وباء يأتي لقاح للقضاء عليه، وتأتي معه أقاويل رافضة إيَّاه، أو داعمة له. أتى زمن اللقاح، وأتت معه الشكوك من مصدره، والشكوك من نجاحه، والشكوك من فائدته، والشكوك حول الأرباح التي يجنيها “مبتكروه” و”مروِّجوه”.

أوَّل امرأة حصلت على اللقاح، وهي إنكليزيَّة، ولها من العمر ما يفوق التسعين، اعتبرته هديَّة لمناسبة عيد ميلادها الموافق بعد أسبوع من تلقِّيها اللقاح.

وبعدما أخذ الكثيرون جرعات اللقاح، كثرتِ الفيديوهات التي تتهكَّم على هؤلاء الأشخاص، وراحوا يشوِّهون “سمعة” اللقاح، فيترنَّح هذا في مشيته وذاك يرقص بشكل هستيريّ وآخر يسقط ميتًا…

أمَّا أنا فتلقَّيتُ الجرعة الأولى من اللقاح…

الخوري أنطوان الدويهي – الاول نيوز

Related posts

الراعي في قداس الفصح: نناشد الشعب التزام التعبئة العامة والحجر المنزلي

imanouna imanouna

كيف علّقت الكنيسة الكاثوليكية على هجوم نيس؟

imanouna imanouna

مجلس كنائس الشرق الأوسط: العنف جريمة ضد الله والإنسانيّة… والأديان رسالة محبّة وسلام

imanouna imanouna