iManouna

مار مارون… قدِّيسٌ لعالَمِ اليوم

الخوري دانيال زغيب – خاص ايماننا

عندما نتكلَّم في القدِّيسين، غالبًا ما نتكلَّم في صيغة الماضي، وكأنَّنا نتطرَّق إلى حدثٍ تاريخيٍّ مضى وعَبَرَ. وإذا ما تصفَّحنا سيرتهم، نكون مُتَحَسِّرين على ما فعلوه من عظائم، لأنَّنا نعتبر أنَّنا لا نقدر أنْ نفعل مثْلَهم وبقَدْرِهم. أمَّا مارون، “السَّيِّد الصَّغير”، وهذا معنى اسمه، فقد كان تلميذ ربِّنا يسوع، واقتدى به، وصَنَع بقدرتِه الآيات العِظام. إذ “جمَّلَ مارون جَوْقَ القدِّيسين الإلهيّ”، كما كتب عنه ثيودريطُس القورشيّ، كاتب سيرته.

وما هي تلك “الآياتِ العِظام”، برأيكم؟ ليست، بالطَّبع، آياتٍ خارقة، ولا عجائب باهرة فوق الطَّبيعة.

آياتُ مارون العِظام، حبٌّ للآبِ الحنون، وإنصاتٌ لابنِه يسوع الفادي، وانقيادٌ للرّوح القُدُس الـمُحيي.
آياتُ مارون العِظام، حبٌّ للصَّلاةِ والصَّومِ واليقظةِ والزُّهْد.
آياتُ مارون العِظام، حبٌّ للإنسان، أيِّ إنسان، ولا سيَّما المتألِّـم والمجروح والفقير والـمُهمَّش.

ما يهتمّ مارون بنفسه فحسب، بل كان همُّه خيرَ النَّاس، من دون تمييزٍ بين مؤيِّدٍ لنهجِه الفكريِّ والرُّوحيّ واللَّاهوتيّ، ومُعارِضٍ له.

ما سعى مارون، يومًا، إلى أنْ يبدو على حقٍّ، وأنْ يؤكِّد صوابيَّة نظريَّته. بل سعى إلى أنْ يرى في الإنسان صورةَ ربِّه يسوع، وأنْ يخدم يسوع في الآخر، مهما كان انتماء هذا الآخر، وتوجُّهُه ووضعُه في المجتمع. فقد عمل بصمتٍ وسكون، ولم يفتَح فاهُ البتَّة، إذ عَلَّمَ وعَمِلَ بِـمَثَلِه وسيرته.

“ما كان مارون يشفي مِنَ الأمراض الجسديَّة فحسب، بل كان أيضًا يحمل إلى النُّفوس العلاجَ المناسب، شافيًا هذا مِنَ الطَّمَع، وذاك مِنَ الغضَب، مُقدِّمًا لهذا درسًا عن الكمال، واصِفًا لذاك قوانين العدالة، مُصلِحًا هذا من الانحراف، ومُوقِظًا ذاك مِنَ الفتور” (ثيودوريطُس القورشيّ، تاريخ أحبَّاء الله، سيرة مار مارون).

“آيات مارون العِظام” وسيرته هذه، أدَّتَ إلى أنْ يُنمِي “الكثير من أغراس الفلسفة (أو الحكمة)”. والبستان الَّذي أزهر في القورشيَّة، في الأمس البعيد، والَّذي يُزهِر اليوم، في العالم بأسره، هو مارون الَّذي زرَعَهُ.
هكذا نحن اليوم، نستطيع أنْ نكون على مِثال مارون وأنْ نتشبَّه به، فنعمل “الآيات العِظام” الَّتي عمل هو:
أنْ نُحبَّ الآبَ وابنَه، ونسير بِـهَدْي الرُّوح القدس، روح الحقّ، ونبتعد عن الباطل والكذب والنِّفاق.

أنْ نصلِّي دائمًا، وأنْ يكون عملُنا وحياتنا صلاة؛ وأنْ نصوم ونزهَد في هذه الحياة، فلا نكون أنانيِّين ساعِين إلى تكديس الغنى والـمُقتنى حيث يسرق السَّارق ويُفسِد السُّوس.
أنْ نُحبَّ الإنسانَ، كلَّ إنسانٍ من دون أيِّ تمييزٍ كان في الدِّين والطَّائفة والتَّوجُّه السِّياسيّ، واضِعين ما عندنا في خدْمة هذا الإنسان. وأنْ نسعى إلى وضْعِ ما نملك في خدْمة الآخرين، وأنْ نتشارك وإيَّاهم الخيرات المادِّيَّة والرُّوحيَّة والمعنويَّة.

وإذا ما سَلَكنا بحسب نهج مارون هذا، نكون في قلب العيد، على الرُّغم من صعوبات هذه الأيَّام وضيقها، ونُعيِّد العيد الحقيقيّ، ونكون مشابهين لمارون. وعندها، لا يعود مار مارون قدِّيسًا من التَّاريخ والماضي، بل يصير قدِّيسًا لعالم اليوم. لا بل نصبح نحن “مارون” هذا العالم، وقدِّيسوه، أي ملحه الَّذي يُعطيه الطَّعم والنَّكهة، ونوره الَّذي يُنير لِمَن في البيت والوطن.

فهلَّا عيَّدنا عيد مارون، الكاهن والنَّاسك، بهذه الطَّريقة، وجَعَلْنا مارون حاضرًا معنا وبيننا وفي العالم بأسره.

الاب دانيال زغيب – خاص ايماننا

Related posts

ترك املاكه والغنى وعاش فقيراً في كهف والناس ينادونه قدّيس قاديشا، فمن هو؟

imanouna imanouna

“أنظري ماذا فعل مار شربل !!!!! “

imanouna imanouna

تدخّل الهي يعيد لسيدة إسبانية نور عينيها بشفاعة مار شربل

imanouna imanouna