iManouna

“لافتات الله”

الخوري إيلي خويري – خاص ايماننا – Imanouna.com

ما إنْ تخرج شمالًا من العاصمة بيروت، حتّى تجد لافتة خضراء كبيرة فوق الأوتوستراد، من أقصاه إلى أقصاه، مكتوب عليها: “طرابلس”. الساذجُ يفرح عندما يجد اللافتة، ويجلس تحتها محتفلًا بوصوله، بسرعةٍ، إلى المدينة الَّتي يقصد. ولكنّ الحال أنّ طرابلس ما زالت تبعد أكثر من ثمانين كيلومترًا عن بيروت، ولا زال أمامه مسيرةُ درب شاقّة، وجهدٌ وصبرٌ جميل.

على النسق عينه، عندما نمشي على درب الحياة الروحيّة، قد نصادف عجائب أو آياتٍ أو خوارق أو رسائل سماويّة. كلٌّ منّا قد وهبه الربّ الحكمةَ والنورَ لِـيُـمَـيِّـز أصالتها وصحّتها. ولكن على كلّ حال، ما هذه الاختبارات الجميلة سوى “لافتات” يضعها الخالق على طرقاتنا لتشجّع حثَّنا وتنمّي رغبتنا بالمضيّ قدمًا نحو المدينة المقصودة، ألا وهي الغوص -أكثر فأكثر- بالتعرّف إلى وجه الله المحبّ لشعبه.

يضع الله، إذًا، هذه التعزيات والمحفّزات الجميلة في طريقنا ليقول لنا: تشجّع! أنت في الدرب الصحيح! إتبع هذا النهج تحيَ! دورها هو نفسه دور اللافتة التي تشير إلى الوجهة دون اختزالها، وترشد إلى الطريق دون اختصاره. وجودها في حياتي (أو في حياة مَن حولي) لا ينفي مسيرتي، ولا يغني عن الجهاد، ولا يعني أنّ مشاكلي كلُّها حُلَّت، بل العكس تمامًا. إنّها إشارات تساعدني على احتمال مصاعب الحياة -القادمة لا محالة- بفرح وثبات. لو كانت الطريق واضحةً لَما وضعت الوزارة اللافتات. كذلك هدف ربّنا من تدخّله في بعض الرسائل أو الخوارق ليس القضاء على الآلام ولا إلغاء مسؤوليّة الإنسان في صعاب الحياة، بل هدفه الأبويّ التربويّ في ذلك تعزيز صلابة الإنسان وإرادته لمتابعة السير في الطريق الضيّق المؤدّي إلى الملكوت، واثقًا أنّ الله لا يتركه، وهو قادر أن يصنع فيه المعجزات.

من المؤكّد أنّ طبيعتنا التي تميل دومًا نحو الهروب من مواجهة الصعاب ونحو روح الاتّكاليّة تفرح بقدرة الله العجيبة التي تحلّ أزمات البشر. ولكنّ القدرة الإلهيّة لم تأتِ لتلغي البشر ولا لتحلّ محلّ حياتهم ومسيرتهم.

ألا اشفِنا ربِّ، من خمولنا ومن هروبنا، وزدنا اتّكالًا مسؤولًا وشراكةً واعيةً مع نعمتك، وعلّمنا أن نضع كلّ ما في يدينا من طاقات ووزنات بين يدَيك، لنكون شركاء لك في عجائبك في حياة الناس: فتصبح صدَقَتُنا عجيبتَكَ تجاه الفقير، ومغفرتُنا لَمْسَتَك الَّتي تجعل القاسي يلين، وحبُّنا حبَّكَ الَّذي يمهّد الجبال …

الخوري إيلي خويري – خاص ايماننا – Imanouna.com

Related posts

خطفت طبيباً لبنانياً.. إنه حقا شهـ ـيد الواجب!

imanouna imanouna

سحر الـ “قاديشَت”

imanouna imanouna

احتفالات عيد العذراء سيّدة لوخان في الأرجنتين…و رسالة من البابا فرنسيس

imanouna imanouna