ما زالت تداعيات “كـ ـورونا” تتهدد بعض المرضى بالرغم من الشفاء منه، إذ يتفاعل الجسم بطريقة غريبة مع هذا الفيـ ـروس، ولكل واحد استجابته المناعية التي تختلف عن الآخرين. شاء فـ ـيروس كورونا أن يُصيب عائلة داوود، إلا أن ما جرى من بعدها كان صادماً ومفاجئاً. أحياناً حتى النتيجة السلبية لا تكفي ليرتاح المريض فمَن يعرف ما يُخبئه الفيروس له من مضاعفات مفاجئة؟
كل قصة تكشف لنا عن مدى قدرة هذا الفيروس على التخفي أو على ما يُخلّفه من آثار طويلة الأمد. صحيح أن غالبية المرضى تُشفى دون مضاعفات، إلا أن هناك قسماً آخر ما زال يتعالج من مضاعفات وآثار بالرغم من شهور من الشفاء. لكن ما جرى مع عامر داوود (40 عاماً) ووالده أبو سمير أو الحاج يوسف جميل داوود (76 عاماً) محزن وقاسٍ.
هزّ خبر وفاتهما بلدة يُحمر الشقيف التي كان عليها أن تدفن اثنين من أحبائها خلال يومين. لم تكد تدفن الابن عامر حتى استسلم أبو سمير للموت خلال 48 ساعة. أهو القدر؟ أهي الأبوة العاجزة عن التخلي عن ابنها؟ لا أحد يعرف. أسئلة كثيرة بقيت دون أجوبة. وحده الحزن والسواد يلف هذه العائلة التي خسرت اثنين من أفراد عائلتها بطريفة مفاجئة.
يروي أحد أقارب العائلة أن “إصابة الإبن عامر لم تكن شديدة وكانت أعراضه عادية وقد تلقى العلاجات اللازمة. وبعد مرور 14 يوماً خضع لفحص الـPCR وجاءت النتيجة سلبية، وقد أرسلت النتيجة إلى أهالي البلدية لإعلان شفائه. إلا أن الصدمة الكبيرة كانت في الليلة نفسها حيث نام عامر ولم يستيقظ. يبدو أن الجلطة التي تعرض لها أودت بحياته خصوصاً أنه في مثل هذا العمر يصعب على الشخص النجاة منها.”
لم تكتمل فرحة العائلة بشفاء إبنها حتى وجدت نفسها أمام حقيقة أصعب، هي التي فرحت بشفائه وجدت نفسها تودعه اليوم بعد أن تركها على غفلة. وكما يقول قريب العائلة: “نعرف أن مضاعفات “كورونا” تبقى أحياناً بالجسم، وتُعرّض المريض للخطر، وما حصل مع عامر كانت نتيجة مضاعفات كورونا حيث لم يتحمل جسده الجلطة وفارق الحياة في الليلة نفسها التي صدرت نتيجة فحصه السلبية.”
أما بالنسبة إلى والده أبو سمير، يشير إلى أنه “أدخل إلى المستشفى نتيجة امتلاء الرئة بالماء وضيق في التنفس، وبالرغم من تضارب المعلومات بين المستشفى التي تشير إلى إصابته بالفيروس، وعائلته التي تؤكد أنه لم يثبت أنه مصاب بعد نتيجة فحصه السلبية، إلا أن حالته الصحية تتدهورت واضطر إلى دخول العناية الفائقة. وًضع أبو سمير على الجهاز التنفسي إلا أنه لم يصمد طويلاً وتوفي بعد يومين على وفاة ابنه”.
رحيل الإبن المفاجئ خلّف وراءه علامات استفهام كثيرة. هل للوفاة علاقة بمضاعفات الفيروس أم أنها صدفة الذبحة القلبية؟ وما هي أبرز المضاعفات التي قد يتركها الفيروس في جسم المريض؟
يشرح رئيس جراحة القلب والصدر في مستشفى المعونات الدكتور نبيل الطويل أن “الكورونا قد يُسبب التهابات قوية قد تؤدي إلى جلطات دموية أو رئوية أو دماغية. علمياً، لا نملك إثباتاً على أن الجلطة التي أودت بالمريض سببها كورونا، وقد تكون الذبحة القلبية متزامنة وعن طريقة الصدفة وليس نتيجة مضاعفات الفيروس. لكن بالعودة إلى عمر المريض تزيد الشكوك أكثر حول احتمال أن تكون الجلطة نتيجة مضاعفات الفيروس، خصوصاً أنه لا يعاني من أمراض قلبية أو مشاكل صحية. ومع ذلك، وبغياب أي تشريح للجثة تبقى كلها مجرد فرضيات طبية لا يمكن تثبيتها 100%”.
مضيفاً أننا “نعرف أن مرضى “كورونا” قد يتعرضون (أو تعرضوا) لتجلطات تكون نتيجة الإلتهابات الحادة المسؤولة عن تجميد الدم. لذلك يبقى مهماً ـ سواء في وفاة كورونا أو نتيجة أي سبب آخرـ تشريح الجثة وإجراء الزرع للتأكد من سبب الوفاة الحقيقي وتحديد المسببات الرئيسية التي أدت إلى ذلك. وبالتالي تشريح الجثة يُسقط كل التكهنات التي تطرح اليوم لمعرفة السبب الرئيسي المسؤول عن الوفاة سواء عند هذا الشاب الأربعيني أم أي مريض آخر”.
ويؤكد طويل أن “ما نعرفه علمياً أن الإلتهابات قد تُسبب جلطات قوية، لذلك ننصح كل المرضى الذين تماثلوا للشفاء خصوصاً الشباب بتناول حبة الأسبيرين تحت إشراف الطبيب لمدة 3 أشهر. ونصف حبة أسبيرين لفئة الشباب لأنهم يتعرضون لالتهابات في غشاء القلب، في حين غالبية الكبار بالسن يتناولون الأسبيرين بحكم معاناتهم من أمراض مزمنة مثل السكري والضغط… كما ننصح المرضى بإجراء صورة للقلب وللرئة للتأكد من عدم وجود آثار أو ترسبات للفيروس نتيجة الإلتهابات الناتجة عن كورونا، لا سيما أن مضاعفات الفيروس قد يُصيب عضلة القلب أو شرايين القلب أو مشاكل في غشاء القلب أو تجلط الدم نتيجة انسداد الشرايين وضعف عضلة القلب”.
ليلى جرجس النهار