iManouna

الدِّين والشّباب

بقلم أرليت زغيب – ايماننا

ما هو الدِّين؟

لا مسألة تشغل الإنسان منذ فجر التاريخ، ممارسةً واعتقادًا، ومؤخرًا: دراسةً، مثل مسألة الدِّين. تشكّل ظاهرة الدين حدثًا إنسانيًّا فريدًا. فهناك في التاريخ حضاراتٌ بلا فنون، وحضارات بلا تقدُّمٍ مادّيّ. لكن ثمَّة حضارة بلا دين.

تعني كلمة “دين” من الناحية اللّغويّة عدّة معانٍ، منها: الطاعة والخضوع والسياسة والقهر والجزاء والحساب والحكم والعادة. أمّا في السياق الغربيّ، فرأي جون ستيوارت مل (John Stuart Mill) أنّ “جوهر الدين هو الاتّجاه القويّ المتحمّس للعواطف والرغبات نحو هدفٍ مثاليٍّ يعتبر أسمى وأشرف من كلِّ غرضٍ أنانيٍّ أو رغبةٍ ذاتيّة”. أمّا وليم جيمس فيقول إنّه “الطريقة الّتي تظهر بها ردود أفعال الإنسان تجاه الحياة، حينما تكون ردود الأفعال هذه منبعثة من سموّ نفس متأثّر بسحر قوّةٍ أعظم من الإنسان نفسه”. وفي الفلسفة المثاليّة، يُعَرِّف هيغل الدين بأنّه “معرفة تكتسبها النفس المحدودة، لجوهرها كروحٍ مطلقة”. وأخيرًا، يرى هربرت سبنسر أنّ الدين هو “الإحساس الّذي نشعر به حينما نغوص في بحر من الأسرار”.

من هم الشباب؟

على الرغم من عدم وجود تعريفٍ دوليٍّ متَّفقٍ عليه عالميًّا للفئة العمريَّة للشباب، إلَّا أنّ الأمم المتَّحدة تعرّف “الشباب” بأنّهم الأشخاص الَّذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عامًا.
الشابّ مثاليّ التفكير، ينتقد كلّ شيءٍ بمقياس الكمال، من دون اعتبارٍ كبيرٍ لتحدّيات الزمان والمكان والكيان. وينتقد نفسه في داخل نفسه، وينتقد عائلته علنًا. إنّه غير راضٍ على الكبار، ومتمرِّدٌ إلى حدٍّ ما على السلطة، بكلِّ صُوَرِها، سواء كانت في الوالدين أو المدرِّسين أو المسؤولين. إنَّه غير راض على العادات والتقاليد المرعِيّة، ويهزأ كثيرًا بما هو متَّبَع، وإنْ اضطُرَّ أحيانًا إلى ممارسته، خشية وقوعه تحت ملامة الناس وضغوط المجتمع الشديدة. وكثيرًا ما يكون مُـحِقًّا في نظرته، عندما يرى القِيَمَ منهارةً والخلقيَّات ضعيفةً والأوضاع الاجتماعيّة تسودها الانتهازيّة والوساطة والرشوة واستغلال القويّ للضعيف … إنَّه يعيش في أزمة ثقة. فهذه مرحلة امتحانٍ واختبارٍ لمدى صلابةِ الحبّ الّذي بينه وبين أسرته، وبينه وبين الكبار؛ واختبارٍ أيضًا لمدى علاقته بربّه وصلابة إيمانه.
ما دور الشباب في الكنيسة وفي المجتمع؟
سؤال يُطرح اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في الكنيسة وتحديدًا بعد إعادة اكتشاف دور العلمانيّ فيها.
تكلّم يسوع، في الإنجيل، على مَثَل الأب الّذي طلب من ابنَيه أنْ يذهبا ويعملا في الحقل. الابن الأوّل، قال: لا أريد، ثمّ ندم وذهب. أمَّا الابن الثاني، فقال: نعم، لكنّه لم يذهب. وخَلُص المسيحُ قائلًا إنّ من عمل إرادة أبيه هو الذي رفض في بادئ الأمر، ثمّ ندم وذهب وعمل في الحقل. هذا المثل يجعلنا نتساءل: هل لله حقل؟ والجواب: نعم له حقل، وحقله هو العالم. والمسيحيّ مُرسَلٌ ليعمل في هذا الحقل. ويجب أنْ يعمل، لأنَّ المسيح قال -أكثر من مرّة- إنّه لا يكتفي بالكلام الجميل، بل يبغي العمل: “ليس كلّ من يقول لــي: يا ربّ، يا ربّ! يدخل ملكوت السماوات، بل من يعمل بمشيئة أبي الّذي في السماوات” (مت 7: 21).

إذًا، ما هي مجالات العمل في حقل الله الواسع؟ هناك على الأقلّ أربعة مجالات: مجال العمل على الذات، أي أنْ يعمل كلّ واحدٍ على ذاته؛ ومجال العمل على العائلة، لمن لديه عائلة؛ ومجال العمل في الرعيّة والكنيسة؛ ومجال العمل في المجتمع.

إضافةً إلى ذلك، إنَّ عدد الشباب المسيحيّ الفعّال في المجتمع يمكن ألَّا يكون الأكثريّة، إذ يقول الرّب يسوع: “أنتم ملح الأرض” (مت 5: 13). وفي مكان آخر، يقول: “أنتم نور العالم” (مت 5: 14). ويورد بولس الرّسول: “إنَّ خميرةً صغيرةً تُـخَمِّر العجين كلَّه” (1 قور 5: 6). فهو لم يقل أنتم ملح المسيحيّين، بل ملح الأرض. ونسبة الملح في الطعام ومفعوله، هما نفس نسبة العدد القليل بالنسبة إلى العدد الكثير. أساسًا، من صفات الملح أنْ يكون قليلًا، وإن ازداد الملح في الطعام، فالطعام لا يؤكل. وهكذا النور بالنسبة إلى الغرفة أو القاعة. وهكذا الخميرة بالنسبة إلى العجين. الطعام هو الكبير والقاعة هي الكبيرة والعجينة هي الكثيرة، والملح والنور والخميرة هي القليلة. لكنَّ فعل الملح كبير، وفعل النور كبير، وفعل الخميرة أيضًا كبير. ولكنَّ الملح لكي يُعطي فعله، وكذلك الخميرة لتفعل فعلها، ينبغي أن يوضعا داخل الطعام وليس إلى جانبه. والمسيحيّ الّذي هو ملح العالم، يجب أن يكون داخل العالم، وليس على هامشه، إن أراد أنْ يكون أمينًا على رسالته الّتي أوكلها إليه يسوع المسيح.

هذا هو المنطلق والأساس الإنجيليّان لدورنا كمسيحيّين، بشكلٍ عامّ، وكشبابٍ بشكلٍ خاصّ، في الكنيسة وفي المجتمع.
أخيرًا، ليؤدِّي الشابّ المسيحيّ رسالته، في الكنيسة وفي المجتمع، هذا يفترض منه إيمانًا عمليًّا وقناعةً شخصيّةً راسخةً ووعيًا كاملًا لدوره حيثما أراده الله. وهذا الإيمان والقناعة والوعي ينمو ويتغذّى عبر حياةٍ مسيحيّةٍ صادقةٍ ترتكز على الصَّلاة والمشاركة في الأسرار الكنسيَّة والالتزام الإيمانيّ.

بقلم أرليت زغيب – ايماننا

Related posts

أخويات شبيبة العذراء تتميز وتتوسع في كسروان

imanouna imanouna

القدّيس يوسف القريب من حالة كلٍّ منَّا

imanouna imanouna

التَّضامن المجتمعيّ

imanouna imanouna